التآثر في المرض بين العقل والجسد
يتبادل الدماغ والجهاز المناعي إشارات
مستمرة، وغالبا عبر المسالك نفسها. وقد يفسر
ذلك كيف تؤثر الحالة العقلية في الصحة.
يعود تاريخ الاعتقاد بأن للعقل دورا مهما في الاعتلال الجسدي إلى الأيام الأولى للطب. فمن عهد الإغريق وحتى بداية القرن العشرين، كان كل من الطبيب والمريض يقبل عموما بأن بوسع العقل أن يؤثر في سيرورة المرض، وبدا طبيعيا تطبيق هذا المفهوم في المعالجة الطبية للمرض. ولكن بعد اكتشاف المضادات الحيوية شاع افتراض جديد مفاده أن معالجة الأمراض الخَمَجية (العدوائية) أو الالتهابية تحتاج فقط إلى التخلص من الكائن الحي أو العامل الغريب الذي استثار الاعتلال. وفي اندفاعهم لاكتشاف مضادات حيوية وعقاقير جديدة تشفي أخماجًا وأمراضا معينة، فإن الباحثين الطبيين تجاهلوا إلى حد بعيد حقيقة أن بوسع استجابة الجسم نفسه أن تؤثر في الاستعداد للمرض وفي سيرورته.
ومن سخرية القدر أن الأبحاث في نطاق الأمراض الخمجية والالتهابية قد دفعت، في بداية الأمر، طب القرن العشرين إلى رفض فكرة أن العقل يؤثر في الاعتلال الجسدي. وتعود الآن الأبحاث الجارية في النطاق نفسه - بما في ذلك الأبحاث التي يقوم بها مختبرنا والمختبر المتعاون معنا في معاهد الصحة الوطنية - لتثبت عكس ذلك. ولقد أتاحت لنا الوسائل الجزيئية والدوائية تعرّفَ شبكة معقدة توجد بين الجهاز المناعي والدماغ وتتيح لهما تبادل الإشارات على نحو مستمر وسريع. فكيميائيات معينة ينتجها الجهاز المناعي تعمل كإشارات في الدماغ، فيقوم هذا بدوره بإرسال إشارات تقيد الجهاز المناعي. كما أن هذه الإشارات الكيميائية نفسها تؤثر في السلوك تجاه الكَرْب stress وفي الاستجابة له. ويعمل تعطل شبكة الاتصال هذه (سواء كان هذا التعطل موروثا أو بوساطة العقاقير أو المواد السامة أو الجراحة) على تفاقم الأمراض التي يصون الدماغ والجهاز المناعي الجسمَ من الإصابة بها، سواء كانت هذه الأمراض خمجية أو التهابية أو مناعية ذاتية أو أي اضطراب له علاقة بالمزاج.